انتفاضة الحجارة وفجر جديد يشرق على وطننا المسلوب
لم تكن حادثة الثامن من كانون الأول- ديسمبر 1987 التي أودت بحياة أربعة عمال فلسطينيين
قضوا تحت دواليب سيارة عسكرية يقودها عسكري
إسرائيلي حاقد سوى القشة التي قصمت ظهر البعير،
والسبب المباشر لاندلاع انتفاضة الفلسطينيين في وجه الاحتلال،
ولكن الأسباب الحقيقية والعميقة تكمن في الاحتلال نفسه، وفي الرغبة المتأصلة عند الفلسطينيين
في التخلص من هذا الواقع وتحقيق الأماني بالاستقلال وتقرير المصير على ارض
يعيش عليها منذ آلاف السنين. لقد احتلت العصابات الصهيونية فلسطين عام 1948
وهجرت زهاء 600000 فلسطيني من ديارهم ابعدتهم عن أراضيهم إلى المنافي في الدول المجاورة.
فيما بقي جزء من الشعب مرابطا على ارض الوطن. ومن جيل إلى جيل ظل التصميم على تحرير
البلاد من الغزاة متلازما مع الحنين المتأجج للبيت المغتصب. وبالتوازي مع الكفاح السياسي
والثوري لفلسطينيي المنافي الذي توج بانطلاقة العمل
الفدائي في 1.1.1965 كانت عيون من تبقى على الأرض الفلسطينية مشدودة إلى الوطن المغتصب،
وكان التحدي والتطلع إلى التحرير والاستقلال ينمو يوما بعد يوم
وخاصة بعد احتلال إسرائيل ما تبقى من الأرض الفلسطينية في أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967.
*********************************
ومع إطلالة عام 1987، كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد استعادت الكثير من وزنها السياسي،
بعد صمودها في حرب المخيمات واستعادة مواقع لها في لبنان، وتصاعد الجهود لاستعادة الوحدة الوطنية،
وتعاظم التأييد الشعبي لها في الضفة الغربية وقطاع غزة،
وتمكنت بجهدها السياسي الدؤوب من أن تتزود بحصيلة من القرارات الدولية الداعمة لها.
وقبل أن يطوى العام 1987 أسابيعه الثلاثة الأخيرة، كانت الظروف الوطنية والإقليمية
مهيأة تماما لاندلاع انتفاضة جماهيرية في الأراضي المحتلة،
لتفرض وقائعها منحى جديداً للمسيرة النضالية الفلسطينية وتحدث فيها تحولات عميقة،
ولتشكل منعطفا هاما في مسار قضية فلسطين المعاصر.
بدأت الانتفاضة في الثامن من كانون الأول 'ديسمبر' 1987 حينما كانت حافلات تقل العمال الفلسطينيين
من أماكن عملهم في المدن والبلدات الإسرائيلية العائدة مساءً إلى قطاع غزة المحتل،
على وشك القيام بوقفتها اليومية المقيتة أمام الحاجز الإسرائيلي للتفتيش حينما داهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية،
ما أدى إلى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين (من سكان مخيم جباليا في القطاع )
وفرّ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية على مرأى من جنود الحاجز.
ونتيجة لذلك اندلع بركان الغضب الشعبي صباح اليوم التالي من مخيم جباليا
حيث يقطن أهالي الضحايا الأبرياء ليشمل قطاع غزة برمته
وتتردد أصداؤه القوية في جنبات الضفة الغربية المحتلة،
وذلك لدى تشييع الشهداء الأربعة، وقد شاركت الطائرات المروحية قوات الاحتلال في قذف القنابل المسيلة للدموع
والدخانية لتفريق المتظاهرين، وقد استشهد وأصيب في ذلك اليوم بعض المواطنين، وفرضت
سلطات الاحتلال نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء في قطاع غزة.
وفي 10/12/87 تجددت المظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال
حيث عمت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة في أكبر تحد لسلطات الاحتلال
وإجراءاتها التعسفية والقمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وقد واجه أبناء الشعب الفلسطيني
في الضفة الغربية وقطاع غزة رصاص قوات الاحتلال بصدورهم العارية،
وأمطروا جنود الاحتلال الذين تمترسوا بسياراتهم المدرعة بالحجارة
والزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف، مما أدى إلى استشهاد
وإصابة العديد من المواطنين برصاص جيش الاحتلال